هل يا ترى المال هو سبب السعادة ؟

خلال جلوسنا مع الأصدقاء وتبادل أطراف الحديث معهم ، تسمع أحدهم يذكر لك فلان الذي أصبح يملك المليارات بعد أن بدأ صغيراً في التجارة ، وتراه يعدد تفاصيل انجازاته بطريقة عجيبة متمنياً أن يحوز مثلما حاز ذلك الملياردير ولا أدري حسداً أم غبطة ! ، وقبل أن يُكمل حديثه يقاطعه زميل آخر ليُذكرنا بفلان الفلاني الذي تخرج من جامعة كذا وكذا ، يعمل بمؤسسة كبرى براتب خرافي ومميزات خيالية وهو الآن يملك كذا وكذا ، ويسرد جميع تفاصيل نجاحاته آملاً أن يكون لديه مثل ذاك المحظوظ ، ولا أعرف أيضا أهو حسدٌ أم غبطةٌ !

فهل يا ترى المال هو سبب السعادة ؟ أم الوظيفة ذات المميزات الخيالية ؟ أم ماذا ؟

في كتاب طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي يذكر حوارا هادئاً حصل بين قائد الجيش الأموي يزيد بن أبي سفيان شقيق الخليفة وبين أصحابه خلال استراحتهم في إحدى ثغور الجهاد على مشارف الامبراطورية الرومانية حيث سألهم : من أهنأ الناس عيشة ؟

فقالوا : أمير المؤمنين ، ( وقد افترضوا ذلك لأنه الخليفة ولديه المال والسلطة )

فقال لهم : وأين ما يلقى من قريش ؟ ( أي وكيف يهنأ له عيش وهو يتحمل مطالب عشيرته وعائلته وحاجاتهم التي ينئى البعير عن حملها ! )

قالوا : فــأنت أيها القائد ؟ قال لهم : وأين ما ألقى من الخوارج والثغور ( فقائد الجيش أيامها هو قائد ميداني ينام في ساحة المعركة مع جنوده وليس لديه مكتب يجلس خلف كرسيه الجلدي الوثير ويستقبل ويودع الضيوف ! )

فقالوا له : فمن أيها الأمير ؟ قال لهم : رجل مسلم ، له زوجة مسلمة ، لهما كفاف من العيش ، قد رضي بها ورضيت به ، لا يعرفنا ولا نعرفه .

إذن هذه هي مواصفات العيشة الهنية أو السعادة لدى هذا القائد ، ولو تدبرنا في كلماته لأدركنا نظرته الثاقبة .. فهذا السعيد قد حقق دينه ومعتقده الصحيح فكان مسلما عابداً ذاكراً ، واختار لنفسه زوجة مسلمة مؤمنة قد رضي بها شريكة لحياته ( وهو ما يؤرق شباب اليوم العازف عن الزواج باحثاً عن المرأة الصالحة ؟ )

ومن الناحية المعيشية فهو لديه كفايته وحاجته ( يعني مستورة والحمدلله ) ولا يحتاج أحداً ليتسول منه أو بنك يقترض منه ! ومن كمال سعادته أنه من عامة الناس ولا يعرفه أحد من الأمراء أوالوزراء ، وهو بالتالي لا يعرف أحدا منهم أي لا يختلط بهم ولا يركن إليهم ولا يطمع فيما في أيديهم ، فهو يعيش حياته الهانئة بكل تفاصيلها الجميلة .

عندما قرأت هذه القصة تبادر إلى ذهني كلمات ابو وديع (جورج وسوف)حيث قال :

إنتي وأنا يا رَيْت عِنّا كوخ

مَخَبّى بِفَي الحَـوْر والكِينا

وما يكون عِنّا كَهرَبا ولا جُوخ

ونعيش ما يَعرف حَدا فينا

فهذا الهائم يتمنى أن يعيش بكوخ جبلي بين الغابات بعيداً عن البشر مع شريكته ، لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد .

فما الذي يمنع أحدنا من أن يعيش سعيداً هانئاً مطمئنا ؟ إن مفاتيح السعادة بمتناول أيدينا ، فلينظر كل منا كيف يمتلك أسباب الراحة النفسية والعيش الهني ، كما امتلكها ذاك الرجل الذي حسده الأمير على حياته وعيشه .

إن مفتاح المفاتيح هو ذكر الله تعالى كما قال سبحانه ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) بل بمجرد تلاوة هذه الآية ترتاح نفسك وينفرج همك ، كيف لا وهو تأكيد ممن خلق هذه النفوس وصنع هذه القلوب لأنه الأعلم بما يريحها ويُطمئنها ، ومن جرب عرف ، فأداء الصلوات الخمس ذكر لله ، وأدعية الصباح والمساء ذكر لله ، ودعاء الخروج من المنزل والعودة إليه ذكر لله ، ودعاء ركوب السيارة والطعام ودخول السوق كل ذلك ذكر لله تعالى .

فمن أراد السعادة والهناء عليه أن يبدأ بذكر الله ، ومن ثم تأتي البقية إن أحسن النية مع ربه ، فعلى قدر نواياكم تُرزقون ، وبعدها عيشوا حياة الراحة والإطمئنان . . .